جلس الكاتب الكبير في مكتبه منهمكا في الكتابة، فروايته الأخيرة التي نشرت في إحدى دور النشر الهامة، حازت على اعجاب الجميع وبات يستشهد بها في المجالس والبرامج الثقافية وصالونات الأدب، وزعت نسخ غير محدودة قرأها الشباب والرجال.
وفي زروة انشغاله بكتابة روايته الجديدة والتي سيحقق بها أعلى نسب مبيعات العام، مستغلا نجاح روايته السابقة، رن هاتفه وفي تباطئ منه اجابه، جاء الصوت ناعما، عرفته بنفسها إنها معدة البرنامج الرئيسي بالقناة الفضائية تدعوه لحضور حلقة مع باقة من الكتاب الكبار يدور فيها الحديث حول مناقشة بعض موضوعات الحياة الهامة التي تشغل الرأي العام ويتطلعون للإستفادة من رأي سيادته الفذ.
راح الكاتب يحك ظفره بمكتبه وأجاب بعد ان اخذ وقتا يفكر :
لكني أحب أن اكون وحدي فأنا مشهور بما يكفي ولدي جمهور عريض يحب ان يستمع الي وقت الحلقة كله دون حاجة لأحد بجانبي.
قالت المعدة :
لكننا اتفقنا مع المدعوين بالفعل وهم كتاب كبار و..
قاطعها الكاتب بعصبية:
وكيف تتواصلون معهم قبل أن تستشيروني في الأمر وتحصلون على موافقتي؟
ارتبكت المعدة وقالت في استعطاف:
إن طبيعة البرنامج هي الرأي والرأي الآخر، ولحضرتك الكلمة الأولى والآخيرة فيه.
بعصبية واضحة وبشكل متكرر يطرق الكاتب بسبابته على المكتب وقال:
اريد تخصيص وقتا لي وحدي بالحلقة، كي أتحدث عن أهم أعمالي السابقة والمستقبلية لجمهوري العريض.
وعدته المعدة بتنفيذ مطلبه على أن يخصص أول ربع ساعة من الحلقة له وحده قبل دخول باقي الضيوف.
وافق الكاتب الكبير بعد أن سأل عن اسم المذيع الذي سوف يحاوره، علم أنه مذيع شاب، وفي تململ انهى المكالمة وقد امتص قليلا من غضبه.
وفي نهار يوم الحلقة قضى الكاتب ساعاته في مكالمات هاتفية بالأصدقاء والأقارب والشخصيات العامة يعلمهم بظهوره الليلة بالبرنامج الرئيسي بالقناة الفضائية، ولم ينس أن يعلن لجمهوره على موقع التواصل الإجتماعي مفاجئته لهم ونيته في الإعلان عن روايته الجديدة الليلة.
اضيئت الكشافات العالية، ظهر الكاتب الكبير بمنتصف الغرفة جالس امام المذيع على مائدة مستديرة بها أكثر من مكان لباقي الضيوف الذين مازالوا بحجرة الانتظار ينتظرون دورهم لدخول الاستوديو.
تحدث الكاتب عن روايته السابقة بفخر شديد وأعلن عن روايته القادمة، استفاض في عرض رؤيته العميقة ونظرته الواسعة المبعدية وتفضل برأيه القويم وفكرته المحورية وتنبؤاته المستقبلية ، وفي ذروة حديثه قاطعه المذيع فقد قضي من وقت الحلقة نصف ساعة والضيوف بالخارج قلقين..
سكت الكاتب وعلى مضض رد تحية الضيوف المقبلين عليه يشاركوه باقي الحلقة، وفي محاولة من المذيع لإرضاء الجميع طلب من كل منهم اعلامه بصيغة تعريفية لأنفسهم قبل بدء الحلقة لينقلها للجمهور عند تقديمهم له. قال كلٍ منهم ما يحب أن يصف به، أما الكاتب الكبير، وجد بنفسه حب لإظهار تواضعا كاذبا قال:
لا أحب الصيغة المتكلفة فالإنسان مهما كبر صغيرا، لا أبالي شيئا إن وصفتني بالكاتب الصغير.
بدأ الجزء الثاني من الحلقة على الهواء مباشرة وفي ثقة من المذيع عرف الجالسين، بدأهم بالكاتب الكبير قال:
معنا من بداية الحلقة الكاتب الصغير..
وانضم إلينا الكاتب المحترم السيد ..
والكاتب المحترم السيد..
والكاتب المحترم السيد..
هب الكاتب الكبير من مجلسه، نهر المذيع بعصبية، لامه على وصفه له بالصغير..
قال له المذيع:
إنه مطلبك، انت من اشرت علي بذلك الوصف
صاح الكاتب بصوت عالي:
أنا اقول ذلك على نفسي أم انت فلا.
وفي عصبية شديدة، ألقى الكاتب بالسماعة التي علقها الإعداد في طرف بدلته، على المنضدة وانسحب من الحلقة تاركا الاستوديوا غاضبا متوعدا فريق العمل.