كانت حياتي بسيطة عندما انتقلت أنا وزوجتي وابني الصغير من بيتنا بالريف الى مسكننا الجديد بالمدينة، بدت على وجوهنا السعادة بالنقلة الجديدة في حياتنا، ولما كنا نجهز لنقل الأثاث والمفروشات، إلتقينا جارتنا هذه أمام باب مسكننا تقدم لنا الشاي والكعك وترحب بكوننا أصبحنا جيرانها، في بادئ الأمر رحبت بها، ويوما بعد يوم باتت تطرق بابنا لطلب الطماطم فقد تفاجأت أن ليس لديها طماطم لطبق السلطة، ثم طلبت الملح ومكعب مرقة دجاج وبعض البصل، وغيرها من طلبات المطبخ تتابعا، ومرة بعد اخرى توطدت علاقتها بزوجتي التي أحبت ذلك من الجارة، قالت أنها تهون عليها غربتها بالمدينة فكل الأهل بالقرية مقيمين بها، وهي هنا تشعر بالغربة وجارتنا هذه ملأت عليها فراغ يومها.
وبعد أن كنت أرحب بالجارة، بدأت أشعر بالضيق ناحيتها، أصبحت أراها ثلاثة وأربع مرات في اليوم، أجدها في حياتنا دائما، نراها في أي وقت، وبعد أن كانت زوجتي لي وحدي، بقيت تقضي معظم النهار مع الجارة في بيتنا، بل وتزايد الأمر وباتت تقضي معنا تسامرات الليل، فشقتها قبلية لا يدخلها الهواء أما شقتنا بحري وهواء شرفتنا يرد الروح كما قالت، كنت أذهب لعملي وأعود لأجدها في بيتنا، وتغيب وتعود تطرق بابنا، وبالليل تجلس مع زوجتي بشرفة مسكننا، يتحدثون عن الجيران وأخبارهم، وفي إحدى الأيام ، دعوت بعض الأصدقاء وطلبت لهم طعام من الخارج فتلك الجارة أقنعت زوجتي بأن كل شئ بالمطاعم وعليها ألا تتعب نفسها في الطبخ فهي ليست مازالت بالقرية، فقط تدير قرص الهاتف وتطلب ما تريد من المطعم المفضل لها.
كنا نجلس على الطعام أنا والأصدقاء عندما دخلت علينا الجارة وكانت تتحدث كثيرا وبسرعة، علق أحد الأصدقاء وقال: مالها تشبه الفضائيين. ضحكنا، وانتهى اليوم ومازالت الجارة مع زوجتي يتسامرن بالشرفة.
دخلت حجرتي للنوم وحدي كعادتي من يوم ان جئنا الى القاهرة، وفي الأيام التالية، لاحظت تغييرات كبيرة على زوجتي، فقد اصبحت جافة تجاهي، رأيتها ولأول مرة تدخن السيجار كما ملأت دولاب حجرتنا بملابس غريبة عليها، استبدلت التنورات الطويلة بأخرى قصيرة ضيقة تظهر مفاتنها، والجلباب الواسع الفضفاض، بالفساتين الشفافة الكاشفة، رأيت أزياء لا تتناسب مع اخلاقنا وديننا وتعاليم القرية التي جئنا منها، كنت أنظر للملابس بالخزينة غير مصدق ما أرى، بل وأكثر من ذلك رأيتها ذات مرة ترتدي السروال ولم أراها أبدا ترتديه من قبل.
ارتبت لتصرفات زوجتى و تأرجح عقلي بين الشك مرة والاطمئنان مرة أخرى، حتى أخذني اليقين أن هذه الجارة لابد انها افسدت زوجتي، وعندما واجهت زوجتي بشكوكي ومخاوفي، اتهمتني بأني مصاب بالخرف والهذيان التزمت الصمت وقررت مراقبة تصرفاتها حتى علمت بالصدفة انها تخرج ليلا مع جارتنا تلك بعد ان تضع لي المنوم في كوب الشاي، اكتشفت ذلك بعد أن وجدت شريط المنوم في دولابها وانا افتش في ملابسها وابحث عن سبب تغيرها نحوي ونحو بيتنا وابننا علي الذي اصبحت لا تهتم به كالسابق، ومن يومها لم اشرب الشاي في البيت ابدا، ولم اعرف ماذا افعل وزوجتي تضيع مني يوما بعد الأخر؟ أراها تحدث بالهاتف بنبرة منخفضة واحيانا اسمعها تضحك بصوت مائع لعوب، كنت أعلم أنها تكلم الأغراب وشعرت بغصة بقلبي ولم استطع مواجهتها فأنا رغم كل هذا مازلت احبها.
وكنت ألاحظ حركاتها مع جارتنا، يهمسن ويتغامزون ويضحكن عند رؤيتي، وفي العمل أرى الزملاء وقد أخذوا جنبا عني، المح تقلبات العيون وحركات الشفايف بين همز ولمز، كانت تذبحني تلك النظرات واتظاهر بعدم الانتباه. .
قررت العودة للريف ولكنها رفضت وبشدة، بل أيضا هددتني بالطلاق إن أجبرتها على العودة للقرية.
ليلتها قامت بيننا مشاجرة كبيرة جائت على صوتها الجارة، كانت تتحدث بسرعة كعادتها كنت أنظر لها ورأيتها كائن فضائي كما قال الصديق، كائن برأس بيضاوي وعينان مستديرتان يتحدث بكثرة وبسرعة غريبة، لم اسمع منها أي كلمة حينها، فقط انسحبت من أمامها ودخلت حجرتي، ظلت هي مع زوجتي بالخارج، وفي الصباح خرجت لأجد زوجتي ولكنها لم تكن زوجتي.
كان هناك كائن اخر يشبهها، علمت بذلك من نظرة عيناها التي لم تكن نظرتها، وكلامها الجاف معي، وجسدها البارز من ملابسها العارية، وريحتها التي تغيرت كثيرا فأصبحت مثيرة تعلن عن الرغبة الدائمة، لكنها بالنسبة لي مشمئزة مقرفة، لم اقترب منها بل تركتها بالصالة ودخلت حجرتي انظر اليها من فتحة الباب الموارب قليلا، أخافها وأخاف على ابني علي منها، فتلك الجارة الفضائية بالتأكيد هي من استبدلت زوجتي بهذه التي أراها في البيت الأن، كنت اخرج لعملي دون أن تشعر بي، أخذ علي معي اذهب به للمدرسة حتى لا أتركه وحده في البيت معها، وعند انتهاء اليوم الدراسي اعيده الى البيت واظل معه طوال النهار نغلق الحجرة على أنفسنا و نأكل الطعام الذي احضرناه معنا من الخارج ، فقد أصبحت لا أكل أي شئ من البيت ابدا، وكنت أغفل واستيقظ فلا أجد الصغير بجانبي أخرج مسرعا للبحث عنه بالشقة أراها تحاول ملاطفته واغراءه لإيذائه. اعيده سريعا للحجرة أبقيه معي حتى الصباح أكرر ما افعله كل يوم فكنت حريص كل الحرص على ألا اتركه وحده معها، وعندما سأل مديري عن سبب خروجي يوميا من العمل مبكرا، أخبرته بأمر زوجتي التي استبدلتها الجارة الفضائية بأخرى مقيمة معنا في البيت الآن ولا اعرفها، واخاف على نفسي وابني منها فهي سوف تؤذينا حقا. أقر لي المدير بأجازة طويلة بعد أن سأل الزملاء عني ، وكان قد وصلته أخبار خلافاتي معهم، قالوا أني كنت اختلق الشجار معهم في الأيام الأخيرة الماضية، قالوا انهم لاحظوا علي بعض التغييرات، وأني اقص عليهم القصص الغريبة عن زوجتي، وشاهدوا في الأيام الأخيرة التوتر والخوف في نظراتي وشرودي الدائم مما أثر على العمل بالشركة .
في بادئ الأمر لم أرحب بالأجازة، فمعناه أني سأقضي الوقت كله بالبيت مع الزوجة المستبدلة، ولكن مع إصرار المدير الذي قال إن الأجازة في صالح الشركة رضخت للأمر.
بقيت بحجرتي لا أخرج منها إلا للضرورة وكنت اذهب بعلي للمدرسة يوميا، انتظر خارجها لا أعود حتى انتهاء اليوم الدراسي ونعود للبيت سويا وذات يوم التقيت بالجارة على باب المسكن، خَرَجَت على الفور عندما لمحتنا من العين السحرية الموجودة في باب مسكنها فهي تراقبنا منها دائما، تحججت بأنها خرجت لتلقي كيس القمامة بالسلة أمام الشقة على بسطة الدرج، خفت منها عندما رأيتها و تسمرت قدماي بالأرض وانتظرت فروغها ودخولها مسكنها حتى استطيع النزول بعلي، ولكنها ظلت منتظرة لبرهة من الوقت، رأيتها تنظر لعلي بعينيها الغريبة أحسست بشعاع يخرج منهما وكأنه يخترق جسد الصغير من الداخل، سحبت علي من يده وركضت به مسرعا على الدرج بعد ان دفعتها وكادت ان تسقط لولا ان صدم جسدها بالحائط ورائها.
وبالأسفل وجدت عم مرزوق بواب العمارة، أخبرته بكل شئ، قلت له عن الجارة الفضائية التي استبدلت زوجتي بأخرى لا اعرفها، وتريد استبدال ابني هو الأخر، لم يصدقني في بادئ الأمر ولكني أثبت له عندما رأينا الجارة تنظر إلينا من نافذة شقتها تشير لي وتتوعدني وتنظر لإبني بعينيها الغريبة، أخذت علي وذهبت به على الفور للمدرسة وانتظرت بالخارج حتى انتهى يومه الدراسي وعدت به للبيت صعدنا الدرج في هدوء تام حتى لا تسمعنا الجارة الفضائية، ودخلت الشقة لأجد الزوجة المستبدلة تصرخ في وجهي غاضبة وتقول ان جارتنا اشتكت لها مني لأني دفعتها أمام باب شقتنا وكادت ان تسقط لولا أن صدم جسدها بالحائط، لم أتكلم بكلمة واحدة صوتها الغليظ وعيناها الغريبة كانت تخيفني وفي صمت دخلت حجرتي رغم صراخها بي، وبقيت وحدي حتى فوجئت بالجارة تفتح باب حجرتي وتدخل دون اذن مني، لم أشعر بنفسي إلا ويداي تطبقان على رقبتها الغليظ، كانت تصرخ وتحاول الخلاص من يدي ولم ارحمها بل قبضت على عنقها بقوة حتى انقطع الصوت تماما وتركتها سقطت على الأرض جثة هامدة.
سعدت لموتها حقا، فكانت تلك البغيضة تشعرني بالغثيان، يخنقني صوتها وطريقة حديثها وضحكتها ونظراتها إذ ترعبني،.
في تلك اللحظة رأيت اشباحا لكائنات غريبة ترتدي زي أبيض هبطت من سقف حجرتي، قاموا بتقييدي حقنوني بمادة غريبة دخت على أثرها، رأيتهم من وسط سحابة بيضاء يلبسوني رداء أبيض، أدركت أنهم كائنات فضائية تابعين لجارتي الملعونة أشكال غريبة برؤوس بيضاوية وعيون واسعة، يتحدثون بطريقة سريعة كما تتحدث جارتنا الملعونة، أخذوني دون حول لي ولا قوة إلى مكان غير معلوم.
فقدت الوعي واستيقظت لأجدني في مكان غريب مع كائنات مخيفة، اشكال مبهمة معتمة، كائنات تتأرجح بين الحقيقة والوهم، المدينة مليئة بهم، سجين انا بكوكب غريب، حياتي فيه مثل مماتي، افتقد ابني علي وزوجتي الحبيبة، أحيانا يرتعش جسدي من شدة البرد وسرعان ما اتصبب عرقا وكثيرا ما ابكي فأنا وحيد هنا، أين اكون وكيف أعود؟ أما من مستمع؟ أما من مجيب؟
وقف الدكتور مسعود وكان يستمع للحكاية عندما رأي خليل يمسك بالسياج الحديدي لنافذة حجرته بالمصحة يحكي قصته متخيلا انه سجينا في كوكب غير كوكب الأرض، وكان مسعود معينا جديدا بإحدى المصحات النفسية، سأل مسعود عم محمد التمرجي عن حالة خليل، قال عم محمد انه يوميا يمسك بالسياج، يحكي قصته عن جارته الفضائية التي استبدلت زوجته بأخرى لا يعرفها وتريد أن تستبدل ابنه. جئنا به الى هنا عندما اتصلت زوجته تستدعينا وتستنجد بنا حتى نودع زوجها بالمصحة، أخبرتنا بأنها دخلت عليه حجرته عندما سمعت صوته يعلو فجأة، لتراه يتشاجر مع وسادة مخدعه، محاولا خنقها متوهما أنها جارتهم بالسكن.
ذهبنا لنجده في حالة هياج يصيح في هيستيريا:
قتلتها اخيرا.
وبعد انتهاء يوم الدكتور مسعود بالمصحة وقبل أن يعود لبيته قرر الذهاب لبيت خليل.
دق جرس الباب، فتح الصغير، القى مسعود عليه التحية وسأله عن أمه، طلب منه ابلاغها بأنه جاء من المصحة من أجل حالة زوجها. نظر له علي وبعينه البريئة كثير من الأسئلة، ودخل ليخبر أمه.
أقدمت سارة من الباب، زوجة شابة جميلة، في ملامحها هدوء القرية، ظهر التمدن على ملابسها وتنورتها القصيرة، وضح عليها التحفظ فقد ترددت قبل ان تدعوه للدخول.
جلس مسعود في الصالون، تأمل المكان حين كانت سارة تصنع له فنجان من القهوة، أثاث تقليدي هادئ، تابلوه كلاسيكي من الجوبلان معلق على الحائط، لفت نظره علبة السجائر والولاعة على المنضدة، دخلت سارة تحمل القهوة.
عرفها بنفسه، ألقى عليها بعض الأسئلة الخاصة بحالة الزوج:
مدام سارة، أيمكنك ان تحكي لي عن التغيرات التي طرأت على زوجك في الفترة الأخيرة قبل حالة الهياج التي تعرض لها و قرارك بإدخاله المصحة؟
نظرت سارة للصغير الذي فهم على الفور وتركهم ليبقى بحجرته، سحبت علبة السجائر والولاعة من فوق المنضدة وأشعلت سيجارة، لاحظت نظرات مسعود لها، قالت بعد ان افرجت عن تنهيدة طويلة:
لم اقبل على التدخين إلا منذ ان أتيت الى المدينة.
لم يعقب مسعود ، أكملت سارة:
سأحكي لك، كنت وزوجي وابني علي ننتقل من بيتنا بالقرية للإقامة في مسكننا هذا بالمدينة، وكنا سعداء جميعا بالخطوة الجديدة التي طرأت على حياتنا، ويوم تجهيزنا مسكننا وترتيب الأثاث، طرقت الجارة بابنا، عبرت عن مودتها لنا كوننا جيران جدد لها، أهدتنا الشاي والكعك الذي صنعته لنا خصيصا، قبلناه منها وكنا سعداء لذلك ولكن وبعد ان استقرينا وجدناها تحشر نفسها في حياتنا بشكل كبير، لم يتقبل خليل ذلك في بادئ الأمر، أما أنا فسعدت بها، كانت الجارة تكسر ملل يومي، وكنت اشعر ضيق خليل منها لم يمر كثيرا من الوقت حتى أعلن عن ذلك لي صراحة عدة مرات.
نفخت سارة دخان سيجارتها وألقت برأسها للوراء وقالت:
بالغ خليل في حبه لي اعتقدت انه اراد عزلي عن العالم ، خاف علي الانخراط في المدينة، دائما ما كان يقول أن النساء هنا تفسد بعضها البعض. ولكنه اكتفى بمخاوفه و لم يفعل شئ لإنقاذي من الوحدة التي كنت أعيش فيها منذ انتقالنا للمدينة، فقد تركت الأهل والأحبة هناك في القرية، ورحبت بوجود تلك الجارة في حياتي تسايرني وتسليني وتشغل وحدتي، في الوقت الذي كان فيه خليل منهمك في عمله ليل نهار فمنذ جئنا للمدينة وحالتنا المادية متعسرة، كان علينا التوفير حتى نستطيع دفع أقساط الشقة واقساط مدرسة علي الخاصة بجانب مصروفات البيت من طعام وشراب، كنت اقدر أنه منهمك في عمله، اتركه ينام ليلا وحده وانام انا في حجرة علي حتى لا أرقه من نومه، وفي يوم دخلت عليه الحجرة لأجده يفتش في خزانة ملابسي.
سألته عن ما يبحث عنه حتى اعلمه بمكانه، لم يجيبني واتهمني بأني قد تغيرت عليه منذ جئنا للمدينة ومن يومها وهو يتخيل أشياء لم تحدث، قال انه سمعني أتحدث في الهاتف للغرباء، اتهمني أني أخرج ليلا دون أن أخبره بعد ان اضع له المنوم بالشاي، ادعى أنه وجد بخزانتي شريط المنوم، هو في الأصل شريط منع الحمل الخاص بي، فقد اتفقنا على ان لا ننجب اطفال بعد علي إلا بعد ان يتحسن حالنا المادي، وأصبحت أشعر به يخاف جارتنا.
وفي يوم بعد خناقة كبيرة جاءت على إثرها الجارة، لاحظت نظرات عينيه لها حين كانت تتحدث، كانت عيناه زائغة في وجهها وأحسست بتشتت ذهنه وكأنه تائها. انسحب من أمامنا في صمت ودخل حجرته.
ومن ليلتها، عزل نفسه بالحجرة ينظر الي من فتحة الباب الموارب ولا يسمح لي بالدخول، في بادئ الأمر اعتقدت انه غاضب مني بسبب المشاجرة، ومر يوما وجاء أخر ولاحظت عليه أشياء غريبة، رأيته يخافني كما يخاف جارتنا، وبات وكأنه لا يعرفني، كان ينظر لي بعيناه الزائغة.
لاحظت انه يأتي من العمل مبكرا يحضر معه علي من المدرسة كل يوم، ثم اكتشفت أنه منقطع عن العمل من فترة، وعندما سألت أحد زملائه قال انه يختلق المشاكل مع الزملاء كما انه اخبرهم بأشياء غريبة عني وعن الجارة، مما اضطر المدير لاعطائه أجازة طويلة يريح فيها اعصابه مع سريان مرتبه حتى تستقر حالته النفسية ويعود لطبيعته. وتطورت حالته فرأيته يحرص على إبعاد علي عني ويخاف عليه مني، ينهرني عندما يراني ألاطفه ويأخذه معه بحجرته طوال اليوم، وامتنع عن الأكل والشراب داخل البيت فكان يأتي بالطعام من الخارج وفي يوم اشتكت لي الجارة انه دفعها حين كان ذاهبا بعلي للمدرسة صباحا، وعند عودته قررت مواجهته ولكنه نظر لي طويلا وانسحب دون ان ينطق بكلمة، دخل حجرته كعادته وكان هادئا حتى سمعت صراخ وصياح، دخلت وراءه على الفور لأراه يتشاجر مع وسادة مخدعه يحاول خنقها، ركضت نحو الهاتف واتصلت بالمصحة، وعندما جاؤا وجدوه في حالة هياج فاضطروا لإعطائه حقنة مهدئة حتى يتمكنوا من النزول به وإيداعه المصحة.
أصدرت سارة تنهيدة بعد ان فرغت من الحكاية، ونظرت لمسعود نظرة اعتراف وقالت:
أعترف أني قد طرأ علي بعض التغييرات في المدينة عنها في القرية، ولكن ليست لدرجة ان تجعل خليل يشك في ويتوهم اشياء غريبة عني وعن الجارة كان احيانا يخرج من حجرته، بعد أن ظل فيها لفترات طويلة، اجده طبيعيا يطلب الطعام ويرحب بي ويلعب مع علي وسرعان ما يتبدل حاله، كنت أخافه عندما المح عينيه الزائغة، وأراه يحول نظراته عني، ينظر للفراغ وكأنه يرى شيئا امامه غيري، أو أحد يقف معنا لا أراه بعيني، كنت اسأله: على اي شئ تنظر؟ لا يوجد غيرنا في المكان.
لطالما خفته وخفت البيت وخفت على علي منه.
ترك مسعود فنجان القهوة من يده بعد أن فرغ منه ودون أن يعقب استأذن للرحيل، وحين كان في طريقه للباب، رأي الصغير يقف على مقربة منه، إلتفت اليه وربت على كتفه وقال له:
قريبا ستسمع أخبارا سارة عن والدك.
نظر له علي مترقبا كلماته التي أيقظت فيه أمل جديد وسأله:
أيمكنني رؤيته؟
تمهل مسعود في الإجابة ثم قال: يمكنك ذلك، لكن امهلني برهة من الوقت