كانــــــت ملفتة بوجهها البهي وجسدها الرقيق ومشيتها المختالة وفستانها الأنيق المختار بعناية، اعتدت في كل ليلة خميس من كل اسبوع أذهب عند بيتها في أول الحي اقف على الجانب الأخر من الطريق اراقب النافذة وارى خيالات ضيوف عائلتها على الستائر يتمايلون برقصة سلو الغربية، اشتهر بيتها بين أهل الحي ببيت أنس لِما يسمعونه من أصوات الموسيقى الغربية الصادرة منه، وكان لهذا المسمى دلالاته الغير مريحة لدى سكان الحي، ولأنها مختلفة كانت محط انظار شباب المنطقة وموضع غيرة البنات ونميمة النساء، كنت اقف بالساعات انتظر خروجها في الصباح من بيتها، تسير في كبرياء شعرها منمق لأعلى تنساب بعض من خصلاته المتموجة على خدها الأسيل، أنفها الروماني الممشوق يعرب عن تأفف ملحوظ من الحي واهله، حاول الشباب تتابعاً لفت نظرها فبنظرة منها يمكن الحصول على مكانة منفردة لدى بعضهم البعض، كان طرف عيناها كفيل بقضاء المهمة الثقيلة على قلبها فتنظر للشاب دون اهتمام وسرعان ما تتقلب عيناها بعيدا متأففة لينقلب المشهد على صاحبه ويسخر منه الأصدقاء.
كنت داخل ثنايا روحي أراها ندية رقيقة ملائكية تمنيتها زوجة لي وحدثت أمي بما بقلبي قالت أن الكلام عنها بالحي كثير يقولون أن عائلتها غريبة الأطوار يصدر من بيتهم أصوات الموسيقى والغناء ولا أرغب لك في فتاة كثر الحديث عنها من النساء في الجلسات، ولكن طالما رأيت منك رغبة في الزواج انتظر حتى أبحث لك عن عروس تليق بك وببيتنا المحترم وعاداتنا وتقاليدنا.
كنت راغب فيها حد البكاء ليلا وحيدا ممزقا بين ما يريده قلبي وما يمليه علي عقلي والعادات والتقاليد، وفي ليلة خميس ذهبت كالعادة أراقب نافذة بيتها تفاجئت بالعتمة ملأت المكان لا صوت لموسيقى ولا خيالات على الستائر لرقص الضيوف ، وفي الصباح كنت أراقب خروجها من البيت ولم تخرج ولم أراها ثانية أبدا وسمعت انها غادرت الحي مع عائلتها التي سكنت مكانا أخر..
تزوجت وانجبت ولم انساها أبدا، وفي كل يوم خميس من كل أسبوع اجلس بالشرفة استمع لأم كلثوم واستعيد ذكريات ذلك اليوم ووجهها الملائكي يشاركني الليلة بطولها، وفي يوم كنت بمكتبي بعملي الحكومي، أعلمني السكرتير أن سيدة بالخارج تسأل عني وكنت مرهقا منهمكا بأوراق العمل أمامي، وفي تململ امرته بإدخالها، وعندما رأيتها من الوهلة الاولى عرفتها إنها هي جارتنا الملائكية بفستانها الأنيق وجسدها المتناسق وقد امتلأ قليلا، حفر الزمان خطوطه الدقيقة أسفل عيناها زادتهما عمقا، احكمت رباط شعرها لأعلى هربت منه بعض شعراته البيضاء على الجانبين، ومازال انفها الممشوق يعلن عن كبرياء لم تتنازل عنه رغم حاجتها التي أتت من أجلها،طغت رائحة عطرها في المكان، أثملتني .
نسيت التعب وأهملت الورق ووقف كل شئ عند تلك اللحظة حتى الوقت بساعة يدي ودقات ساعة الحائط لم أكن اسمعها وكدت من الفرحة انسى كلمات الترحيب، بدأت بالكلمات تذكرني بنفسها قلت: بالتأكيد اتذكرك.
لم تعرف هي انها في أحلامي اليومية مافارقتني من يوم ان رحلت، مدت يدي بالسلام وأحسست لمستها وسرت برودة بجسدي وارتسمت على وجهي ابتسامة بلهاء، جلست وطلبت لها العصير وتمنعت، أعطيتها فرصة للحديث وتذكرت كيف كنت في الماضي اتمنى منها كلمة واحدة، قالت انها تحترمني كثيرا فكانت تلاحظ وقوفي بعيدا دون أن اشارك الغلمان في مضايقاتها، قالت ان اسرتها حينها غادرت الحي لآخر أكثر رقيا، أومأت براسي معلنا عن علمي وانتبهت فإني أكاد افضح امري، علمت انها تزوجت وانجبت فتاة هي في ربيع العمر الأن، مات زوجها وترملت، اسردت باستفاضة ما جعلها تأتي بشأنه، حكت مشكلة تواجهها في المصلحة الحكومية خاصة بمعاش زوجها، وعندما علمت من صديق أن أنا من يدير المكان لم تتردد في المجئ على الفور، طمئنتها ووعدتها بالحل وازلال العقبات، ورحلت وتركت بقلبي حلم جديد انضم لباقي احلامي الليلية.
عدت لبيتي يومها شارد الذهن ورأيت زوجتي التي اختارتها لي أمي منذ سنوات وأكتشفت لأول مرة حجمها الذي زاد وترهلات جسدها وجلبابها الواسع السئ الحال وشممت رائحة البصل والثوم تفوح منها، سمعتها تناديني ولم أجبها بل دخلت غرفتي واستلقيت على فراشي أغمضت عيناي ممسكا بداخلهما صورة جارتنا الملائكية.