خط الصعيد وتوديع أمه له بـ” يا أزرق العينين يا أشقر”، بهذة الكلمات رثت أم خط الصعيد ابنها منذ عشرات السنين، بعد قتله لارتكابه جرائم عدة، وما زالت حوادثه وجرائمه وقصته حديث الأعمال الدرامية قديما وحديثا، ليس ذلك فقط بل انشاء محاكم متخصصة وقتها في الصعيد فقط سميت باسمه وباسم أمثاله، حتى يحاكم فيها مجرمو الصعيد وفي التفاصيل خط الصعيد وتوديع أمه له بـ” يا أزرق العينين يا أشقر”
كان المشهد درامياً بشعا في شهر أغسطس عام 1947، عندما التف مجموعة كبيرة من الأشخاص ورجال الشرطة حول جثة رجل قتل بـ21 رصاصة وسقط قتيلا، وقتها اجتمع رجال البوليس وحكمدار أسيوط الأميرالاى عباس بك عسكر، حول جثمان “محمد منصور”، ذلك الرجل الذى ألقى الرعب والفزع فى قلوب أهالى محافظة أسيوط لمدة ثلاثة عقود، حتى عرف حينها بـ”خط الصعيد.
لم تكن بداية قصة “خط الصعيد” غريبةً على تلك البقعة الجنوبية من أرض مصر وهى محافظة أسيوط، فبعد أن انتقم لمقتل أحد أقاربه والذى قتل فى خصومة ثأرية مع إحدى العائلات، أتخذ من الجبال مأوى له، يحتمى به ويزاول فيه نشاطه الإجرامى، ويشن الغارات على القرى والمناطق القريبة، وخلال فترة قصيرة نجح فى تكوين عصابة إجرامية، كانت هى الأخطر فى عشرينيات القرن الماضى، خاصة بعد أن انضم له جمع خفير من المطاريد المطلوبين أمنياً.
خلال فترة نشاطه التى امتدت عبر عقود طويلة من الزمان، نفذ محمد منصور الشهير بـ”الخط”، عدة عمليات سلب ونهب وسطو مسلح لحسابه وحساب الغير، فضلاً عن استيلائه على العديد من الأراضى الزراعية ورؤوس الماشية، فجمع أموالاً طائلة جراء ذلك، وما زاد من سطوته ونفوذه حالة الغموض التى أحيطت به والشائعات التى طالته، حتى وصل عدد ضحاياه لنحو 60 شخصاً قتلوا خلال عملياته الإجرامية، بل انه كان يتحدى رجال الشرطة ويسخر منهم.
على الرغم من الجرائم العديدة التى ارتكبها “خط الصعيد”، إلا أن منحدر سقوطه كان فى جريمة من أقل الجرائم التى ارتكبها من حيث الفظاعة، حيث خطف صبياً يدعى شوقى عوض، وطلب من أسرته فدية مالية قدرها مائتى جنيه؛ لإطلاق سراحه، فطلبت أسرة الطفل من العمدة التوسط لحل الأزمة، والذى نجح فى خفض المبلغ لنحو 100 جنيه، وحددوا موعداً لتسليم الفدية وتسلُم الطفل.
فى صباح اليوم المتفق عليه خرج “الخط” إلى المكان الذى تم تحديده مسبقاً لتسلّم الفدية، فوجد شقيقى المخطوف غير حاملين المبلغ، فتصور أن هناك مؤامرة تحاك ضده، فساق الشابين أمامه إلى حقل ذرة، وفى تلك اللحظة كان العمدة قد نجح فى جمع عدد من أقاربه المسلّحين، واتجهوا صوب الحقل، الذى دخله “الخط” مع الشابين، وتظاهروا بالقدوم لتسليمه مبلغ الفدية-بعد الاتفاق مع الشرطة على ذلك، وبدأوا بإطلاق وابل من الرصاص عليه حتى سقط قتيلاً هو ومساعده.
حمل مأمور المركز ورجاله جثمان خط الصعيد وتوجهوا به لعرضه على والدته “الخالة فضة” للتعرف عليه، ولكنها كتمت الدموع فى عينيها، وأخفت حزنها خلف جدار صلب من الصمت، وحينما سألوها عما إذا كانت الجثة لابنها أم لا، فأنكرت أنها تخصه وطالبتهم بإلقاء جثته بعيداً عنها، ولكنها لم تستطع الاستمرار فى خدعتها، فحينما علمت أنهم استدعوا الطبيب الشرعى لتشريح الجثمان، للتعرف على هويته انهارت “فضة”، وصرخت قائلة “دا ولدى”، وانكبت على الأرض راثيةً إياه بقوله: “يا أزرق العينين.. يا أشقر”.