أخبار عاجلة
الصندوق الاسود لسفاح التجمع

الصندوق الأسود لسفاح التجمع

كتب: دكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر ووصف تحليلي لسفاح التجمع

الصندوق الأسود لسفاح التجمع

(كيف يتكون المخ النزوي الشهواني ؟)

 

على الرغم من سوداوية وقسوة الأحداث التي قام بها هذا السفاح إلا أن تفاصيل حياته التي ظهرت أخيرا على عدد من المواقع والقنوات الفضائية من واقع التحقيقات تشير إلى دروس غاية في الأهمية للأسر وللمجتمع وهذا ما سنحاول استعراضه بشئ من الإيجاز .
بدأت القصة بانتقال طفل على أعتاب المراهقة من الإسكندرية إلى أمريكا مع أسرته للعيش في أرض الأحلام , حيث تحدث الصدمة الحضارية بين مجتمع محافظ نسبيا إلى مجتمع مفتوح على مصراعيه جنسيا , ويسأل الطفل والدته عن كيف يأتي الأطفال فتجيبه الأم بأن الزوجين المسلمين يدعوان الله أن يرزقهما طفلا فيتحقق لهما ذلك , ولكن هذه الإجابة لا تقنع ذلك الطفل شديد الذكاء ومحب للإستطلاع , فيدعها لشأنها ومعتقداتها ويشعر أنها تكذب عليه فلا يصدقها بعد ذلك حين تقول له “أن من يكذب سيذهب إلى النار” أو أن “عليه أن يصلي ليدخل الجنة ” , وينطلق إلى جنبات المجتمع الأمريكي المفتوح يبحث عن إجابات لتساؤلاته ويستكشف العالم الجديد الذي لا يعرفه . وعلى الرغم من تدين الأم وربما الأب أيضا , إلا أنهما سيذهبان لحضور حفل لعمرو دياب أقيم في نيويورك ويتركان الطفل- المراهق تحت رعاية جليسة أطفال مؤقتة عمرها 17 سنة , ما ان انفردت بالطفل-المراهق حتى اشتعلت غرائزها وتحرشت به جنسيا وحدث ماحدث بينهما , وشعر هو بشئ لم يشعر به من قبل , وأحس أنه أصبح رجلا , وانفتح ملف اللذة الجنسية مبكرا فراح يبحث عن المزيد خارج البيت , ولكن تركيبته الجسدية الممتلئة نسبيا لم تتح له الفرصة لمواعدة الفتيات الأمريكيات , ولكن بعد ذلك حين أصبح يملك سيارة وأموال أصبح جاذبا لبعضهنّ فانطلق يعوض نقصه القديم ويثبت جدارته الذكورية بعلاقات جنسية متعددة يصاحبها أو يسبقها تعاطي المتاح من المخدرات وقضاء الوقت في البارات , ومن هنا بدأ تكون المخ الشهواني الباحث عن اللذة دائما بكل أشكالها , وهنا يدخل في مشكلات ممارسة عنف وقيادة سريعة تؤدي إلى حادث مروري , وبالمناسبة هذه السلوكيات أيضا تنتمي إلى غريزة العنف التي هي مقابلة لغريزة الجنس , إذن فقد اشتعلت مراكز الغريزتين الأقوى في النفس البشرية , غريزة الجنس وغريزة العدوان , وستترافق هاتان الغريزتان معه إلى أن يصبح سفاح المعادي , في ظروف تراجع معه أي دور أسري أو اجتماعي لوقف هذا التطور النزوي (الجنسي والعدواني) لدى هذا الشخص , ويبدو أنه كان مدللا ومسموح له أن يفعل مايروق له بلا محاسبة أسرية أو بمحاسبة لا تردعه .

ورأت الأسرة أن ابنها الذي أصبح شابا سيضيع في هذا المجتمع المنفلت أخلاقيا وأصبح فعلا معرضا لعقوبات قانونية نظرا لتهوره واندفاعاته المتكررة فقرروا أن يعيدوه إلى مصر لعل البيئة المصرية تحد من نزواته واندفاعاته واضطراب سلوكه , وفعلا يبدأ في الإلتزام الديني لبعض الوقت ولكن يظل على علاقته بالمخدرات ويقترن بزوجته الأولى ولكن لا يستمر الزواج كثيرا فتتركه زوجته وتسافر إلى أمريكا فيشعر بالهجر والغدر , ويبحث عن زوجة أخرى وفعلا يجدها ويتعلق بها جدا , فقد كانت تلعب باحتراف على تكوينه النزوي ومخه الشهواني بذكاء شديد وإبداع متميز , حيث كانت تقوم بتصوير علاقتهما الجنسية في كل مرة وتقوم بتصويره وتصوير نفسها في أوضاع مثيرة ليشاهدا معا ويتبادلا هذه الفيديوهات والصور , وبذلك يستمتعا بممارسة العلاقة الجنسية مرة وبمشاهدتها عدة مرات , ويضاف إلى ذلك مشاهدة الأفلام الإباحية بشكل إدماني وتعاطي المخدرات والتنويع في الممارسات المعتادة والغريبة حتى يتكون مخ إدماني تماما يسعى للحصول على الدوبامين (هرمون اللذة والسعادة كما يسمونه) بكل الوسائل .

وعلى الرغم من إتاحة الفرصة أمام الزوجين لحياة وظيفية مستقرة حين التحقا بمدرسة دولية في المنصورة بمرتبات مجزية واستقرا بها لمدة عام , ولكن الزوجة شعرت بالملل وطلبت العودة للقاهرة (حيث المجتمع الأكثر انفتاحا , أو ربما استجابة للمخ النزوي سريع الملل لديهما) فيعودا إل القاهرة , ثم تتاح الفرصة للعيش الكريم مرة أخرى حين يحصلا على وظيفة تدريس بمرتب 25 ألف جنيه لكل منهما في مدرسة دولية ببورسعيد ويقضيان فيها ثلاث سنوات , ولكن المخ النزوي يشعر بالملل ويبحث عن الإثارة في الدوبامين والأدرينالين الناتجين عن المغامرات النزوية مرة أخرى فيعودا للقاهرة , ويحدث الخلاف بين الزوجين وتختفي الزوجة من حياته ويبحث عنها كزوجة أو كمصدر إبداعي للذة والإثارة , ولكنها لا تعود ويتهمها بخيانته , وهذا الإتهام قد يكون حقيقيا , وقد يكون متوهما , حيث أن متعاطي الحشيش والآيس (الكريستال ) كثيرا ماتنتابهم ضلالات الخيانة وقد يفكرا في قتل الزوجة بناءا على هذا المعتقد .

وبصرف النظر عن كون الخيانة حقيقية أو متوهمة بفعل المخدرات إلا أن هذا الحدث سينقل هذا الشخص نقلة خطيرة , فهو قد تعلم من زوجته فن تصوير اللقاءات والممارسات الجنسية والتنويع والإبداع في ذلك فسيفعل ذلك مع فتيات ونساء أخريات , وتتعدد لقاءاته وتصويراته واستمتاعاته فيزداد أسرا لشهواته , ويساعده في ذلك توافر المال لديه ووجود بيت فيه غرفة مجهزة تكنولوجيا للممارسة والتصوير في سرية تامة , ولكن الجديد في هذه المرحلة أنه يشعر بمرارة هجر زوجته الثانية والتي تفجر مرارة هجر الزوجة الأولى وتفجر فيه إحساسه القديم بالدونية حين كان منبوذا من الفتيات في أمريكا ولا يستطيع مواعدتهن كما كان يفعل أصدقاؤه بسبب عدم وسامته وبسبب عدم جاذبيته الجسدية لكونه ممتلئا , ويضاف إل ذلك شعوره المؤلم بالخيانة (الحقيقية أو المتوهمة) من زوجته , وهنا تتلاقى غريزتي الجنس والعدوان في مخه النزوي الشهواني ويصبح جاهزا بهذه التركيبة النفسية للإنغماس أكثر في مزيد من الجنس المتعدد والذي يصل إلى إدمان الجنس , ولكن يزيد عليه الرغبة في الإنتقام من النساء على اعتبار أنهن جميعا ساقطات وخائنات , فيستمتع بهن أيما استمتاع ثم يقتلهن ويستمتع بقتلهن بل ويعاشرهن بعد قتلهن في سلوك سادي شرس وفي انحرف جنسي يسمى تعشق الجثث (Necrophilia) ويتحول إلى قاتل متسلسل , والقاتل المتسلسل دائما تكون لديه عقدة ما نحو النساء أو صراع لم يحل , يدفعه لتكرار فعله مع عدم شعوره بالذنب أو الألم , بل كان في كل مرة يستمتع بذلك ويصوره ليستمتع بالمشاهدة كما استمتع بالممارسة , وفي كل مرة يقتل فيها ضحية ويلقيها في الصحراء يذهب لتناول “أكلة سمك” .

وعلى الرغم من كل ذلك يظهر في الحياة الإجتماعية كشخص عادي , بل حتى كشخص ذكي موهوب ومهذب ورقيق ومجامل وفنان , وهذه هي صفات الشخصية السيكوباتية التي تحدثنا عنها قبل ذلك بالتفصيل , وهي شخصية معتلة مريضة تبحث عن النزوة واللذة بكل الأشكال ولا تلتزم بأي قواعد قانونية أو اجتماعية أو أخلاقية , ولا تتعلم من أخطائها . وهذه العلل والتشوهات في شخصية سفاح التجمع أو أي سفاح ليست تبريرا لجرائمه البشعة ولا تعفيه من أي شئ , وإنما هي تفسير لما حدث لعلنا نعيد النظر في تربيتنا لأبنائنا , ولأنماط معيشتنا وسلوكياتنا التي ربما تأخذنا إلى مسارات شهوية نزوية ندمنها شيئا فشيئا حتى تسيطر علينا تماما وتأخذنا في مسارات غاية في الخطورة والإجرام ونحن في حالة خدر لذيذ يعمي بصيرتنا عما نفعل . والعبرة هنا ليست في قصة حياة الجاني , ولكن كل ضحية من ضحاياه لها قصة مأساوية تحتاج للكثير من المراجعات الأسرية والمجتمعية لمواجهة الثغرات الخطيرة التي تؤدي إلى وقوع شخصيات بعينها كضحايا للسفّاح . وهذا قد يعمق فهمنا للنصوص الدينية التي حرمت الخمر والمخدرات والزنا والوغول في الفواحش والمنكرات تحت دعوى التحرر والإستنارة والإستمتاع بالحياة وكسر الكبت الأخلاقي والإجتماعي